علامات الساعة الكبرى...طلوع الشمس من مغربها
* العلامة الرابعة من علامات أشراط الساعة الكبرى من حيث الترتيب الزمني، والأولى لتغيير العالم العلوي - طلوع الشمس من مغربها.
لقوله عليه الصلاة والسلام: {إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها…}[1].
قال الحافظ في الفتح (11/353): (فالذي يترجح من مجموع الأخبار أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم، وأن طلوع الشمس من المغرب هوأول الآيات العظام المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة، ولعل خروج الدابة يقع في ذلك اليوم الذي تطلع فيه الشمس من المغرب)
وروى البخاري عَنْ أَبِي ذَرٍّ t قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r لأَبِي ذَرٍّ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ: {أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ؟} قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: {فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلا يُقْبَلَ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنَ فَلا يُؤْذَنَ لَهَا، يُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: )وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(.
وقد جاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله r: {لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها: فإذا طلعت ورآها الناس آمن من عليها، فذاك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أوكسبت في إيمانها خيرا} [2].
وهذا الحديث يفسر ما جاء في قوله تعالى: ) يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوكَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ([3].
جاء في تفسير الطبري لهذه الآية: (لا ينفع كافرا لم يكن آمن قبل الطلوع إيمان بعد الطلوع، ولا ينفع مؤمنا لم يكن عمل صالحا قبل الطلوع عمل صالح بعد الطلوع، لأن حكم الإيمان والعمل الصالح حينئذ حكم من آمن أوعمل عند الغرغرة، وذلك لا يفيد شيئا، كما قال تعالى: ) فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ( وكما ثبت في الحديث الصحيح {إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.}.
وقال ابن عطية: في هذا الحديث دليل على أن المراد بالبعض في قوله تعالى: (يوم يأتي بعض آيات ربك) طلوع الشمس من المغرب وإلى ذلك ذهب الجمهور. ومعنى الآية أن الكافر لا ينفعه إيمانه بعد طلوع الشمس من المغرب، وكذلك العاصي لا تنفعه توبته، ومن لم يعمل صالحا من قبل ولوكان مؤمنا لا ينفعه العمل بعد طلوعها من المغرب.
وقال أيضاً: يختم على عمل كل أحد بالحالة التي هوعليها. والحكمة في ذلك أن هذا أول ابتداء قيام الساعة بتغير العالم العلوي؛ فإذا شوهد ذلك حصل الإيمان الضروري بالمعاينة، وارتفع الإيمان بالغيب، فهوكالإيمان عند الغرغرة وهولا ينفع فالمشاهدة لطلوع الشمس من المغرب مثله.
وقال الحافظ في الفتح 11/353: (طلوع الشمس يسبق خروج الدابة ثم تخرج الدابة في ذلك اليوم أوالذي يقرب منه. قلت - أي الحافظ -: والحكمة في ذلك؛ أن عند طلوع الشمس من المغرب يغلق باب التوبة، فتخرج الدابة تميز المؤمن من الكافر، تكميلا للمقصود من إغلاق باب التوبة.
وقال أيضاً (الفتح 11/354): إن حديثه عليه الصلاة والسلام: {من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه} ، مفهومه أن من تاب بعد ذلك لم تقبل.
ولأبي داود والنسائي من حديث معاوية رفعه: {لا تزال تقبل التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها} [4]. وللطبراني عن عبد الله بن سلام نحوه.
وأخرج أحمد عن عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرورفعوه: {لا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت طبع الله على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل} انظر تحسين شعيب الأرنؤوط للحديث (1/192).
وأخرج أحمد عن معاوية رفعه: {لا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها}.
وأخرج الطبري عن ابن مسعود موقوفا: {التوبة مفروضة ما لم تطلع الشمس من مغربها}.
وفي حديث صفوان بن عسال، سمعت رسول الله r يقول: {إن بالمغرب بابا مفتوحا للتوبة مسيرة سبعين سنة لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه} [5].
وفي حديث ابن عباس نحوه عند ابن مردويه وفيه: {فإذا طلعت الشمس من مغربها رد المصراعان، فيلتئم ما بينهما، فإذا أغلق ذلك الباب؛ لم تقبل بعد ذلك توبة، ولا تنفع حسنة، إلا من كان يعمل الخير قبل ذلك، فإنه يجري لهم ما كان قبل ذلك} وفيه فقال أبي بن كعب: فكيف بالشمس والناس بعد ذلك؟ قال: {تكسي الشمس الضوء، وتطلع كما كانت تطلع، وتقبل الناس على الدنيا، فلونتج رجل مهرا؛ لم يركبه حتى تقوم الساعة} انظر فتح الباري 11/355.
*كيف يتم طلوع الشمس من مغربها؟؟:
من المعلوم أن الشمس منذ خلق الله السماوات والأرض تطلع كل يوم من المشرق وتغرب في المغرب، وتستأذن في ذلك ربها جل وعلا فيأذن لها أن تعيد الكرة. حتى إذا جاء الوقت الموعود؛ استأذنت ربها أن تطلع كعادتها فلا يأذن لها، ثم يقال لها: ارجعي من حيث أتيت. فبينما الناس كعادتهم ينتظرون الشمس تشرق كعادتها من مشرقها؛ وإذا هي تبهتهم بطلوعها من المغرب، فتروعهم روعا عظيما.
بهذا أخبر الحبيب المصطفى r، حيث سأل أصحابه قائلاً: {أتدرون أين تذهب هذه الشمس إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة، فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئت فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش، فيقال لها: ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها، أتدرون متى ذاكم حين؟ {لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أوكسبت في إيمانها خيرا} [6].
ذكر الحافظ في الفتح 11/355: (جاء في حديث عبد الله بن عمروبن العاص عند نعيم بن حماد في كتاب الفتن، وعبد الرزاق في تفسيره عن وهب بن جابر الخيواني قال: (كنا عند عبد الله بن عمروفذكر قصة قال ثم أنشأ يحدثنا قال: (إن الشمس إذا غربت سلمت وسجدت، واستأذنت في الطلوع، فيؤذن لها، حتى إذا كان ذات ليلة فلا يؤذن لها، وتحبس ما شاء الله تعالى ثم يقال لها: اطلعي من حيث غربت، قال: فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل}.
وأخرج أيضا من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: {تأتي ليلة قدر ثلاث ليال، لا يعرفها إلا المتهجدون، يقوم فيقرأ حزبه ثم ينام، ثم يقوم فيقرأ، ثم ينام، ثم يقوم، فعندها يموج الناس بعضهم في بعض، حتى إذا صلوا الفجر وجلسوا، فإذا هم بالشمس قد طلعت من مغربها، فيضج الناس ضجة واحدة، حتى إذا توسطت السماء رجعت}. وعند البيهقي في - البعث والنشور - من حديث ابن مسعود نحوه - فينادي الرجل جاره: يا فلان ما شأن الليلة؟ لقد نمت حتى شبعت، وصليت حتى أعييت، ثم يقال لها: اطلعي من حيث غربت، وذلك يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أوكسبت في إيمانها خيراً} المصدر السابق.
نسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولكم حسن الختام.
----------------------------------------
[1] - رواه مسلم عن أبي هريرة .
[2] - رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبوداود وابن ماجه .
[3] - (الأنعام: من الآية-158).
[4] - اسناد الحديث جيد، انظر روضة المحدثين (6/375) .
[5] - رواه ابن ماجه وحسنه الألباني، انظر سنن ابن ماجه (2/1353).